فصل: الفصل السابع: الفرق بين الحقيقة، والمجاز، وأقسامهما

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


الفصل الثاني‏:‏ في تفسير أصول الفقه‏:‏

فأصل الشيء‏:‏ ما منه الشيء لغة، ورجحانه، أو دليله اصطلاحا‏.‏

فمن الأول‏:‏ أصل السنبلة البرة، ومن الثاني‏:‏ الأصل براءة الذمة، والأصل عدم المجاز، والأصل بقاء ما كان على ما كان، ومن الثالث‏:‏ أصول الفقه أي أدلته‏.‏

والفقه‏:‏ هو الفهم، والعلم، والشعر، والطب لغة، وإنما اختص بعض هذه الألفاظ ببعض العلوم بسبب العرف‏.‏

والفقه في الاصطلاح‏:‏ هو العلم بالأحكام الشرعية العملية بالاستدلال‏.‏

ويقال‏:‏ فقه بكسر القاف إذا فهم، وبفتحها إذا سبق غيره للفهم، وبضمها إذا صار الفقه له سجية‏.‏

الفصل الثالث‏:‏ الفرق بين الوضع، والاستعمال، والحمل

فإنها تلتبس على كثير من الناس‏.‏

فالوضع‏:‏ يقال بالاشتراك على جعل اللفظ دليلا على المعنى كتسمية الولد زيدا، وهذا هو الوضع اللغوي، وعلى غلبة استعمال اللفظ في المعنى حتى يصير أشهر فيه من غيره، وهذا هو وضع المنقولات الثلاثة الشرعي نحو الصلاة، والعرفي العام نحو الدأبة، والعرفي الخاص نحو الجوهر، والعرض عند المتكلمين‏.‏

والاستعمال‏:‏ إطلاق اللفظ، وإرادة عين مسماه بالحكم، وهو الحقيقية، أو غير مسماه لعلاقة بينهما، وهو المجاز‏.‏

والحمل‏:‏ اعتقاد السامع مراد المتكلم من لفظه، أو ما اشتمل على مراده، فالمراد‏:‏ كاعتقاد المالكي أن الله سبحانه وتعالى أراد بالقرء الطهر، والحنفي أن الله تبارك وتعالى أراد الحيض، والمشتمل‏:‏ نحو حمل الشافعي - رحمه الله - اللفظ المشترك على جملة معانية عند تجرده عن القرائن لاشتماله على مراد المتكلم احتياطا‏.‏

الفصل الرابع‏:‏ في الدلالة، وأقسامها

فدلالة اللفظ‏:‏ فهم السامع من كلام المتكلم كمال المسمى، أو جزءه، أو لازمه، ولها ثلاثة أنواع‏:‏

دلالة المطابقة‏:‏ وهي فهم السامع من كلام المتكلم كمال المسمى‏.‏

ودلالة التضمن‏:‏ وهي فهم السامع من كلام المتكلم جزء المسمى‏.‏

ودلالة الالتزام‏:‏ وهي فهم السامع من كلام المتكلم لازم المسمى البين، وهو اللازم في الذهن، فالأول‏:‏ كفهم مجموع الخمستين من لفظ العشرة، والثاني‏:‏ كفهم الخمسة، وحدها من اللفظ، والثالث‏:‏ كفهم الزوجية من اللفظ‏.‏

والدلالة باللفظ هي‏:‏ استعمال اللفظ إما في موضوعه، وهو الحقيقة، أو في غير موضوعه لعلاقة بينهما، وهو المجاز‏.‏

والفرق بينهما‏:‏ أن هذه صفة للمتكلم، وألفاظ قائمة باللسان، وقصبة الرئة، وتلك صفة السامع، وعلم أو ظن قائم بالقلب‏.‏

ولهذا نوعان‏:‏ وهما الحقيقة، والمجاز لا يعرضان لتلك، وأنواع تلك ثلاثة لا تعرض لهذه‏.‏

الفصل الخامس‏:‏ الفرق بين الكلي، والجزئي

فالكلي هو‏:‏ الذي لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه سواء امتنع وجوده كالمستحيل، أو أمكن، ولم يوجد كبحر من زئبق، أو وجد، ولم يتعدد كالشمس، أو تعدد كالإنسان، وقد تركت قسمين‏:‏ أحدهما محال، والثاني أدب‏.‏

والجزئي هو‏:‏ الذي يمنع تصوره من الشركة فيه‏.‏

الفصل السادس‏:‏ في أسماء الألفاظ‏:‏

المشترك هو‏:‏ اللفظ الموضوع لكل واحد من معنيين، فأكثر كالعين، وقولنا لكل واحد احترازا من أسماء الأعداد، فإنها لمجموع المعاني لا لكل واحد، ولا حاجة لقولنا‏:‏ مختلفين، فإن الوضع مستحيل للمثلين، فإن التعين إن اعتبر في التسمية كانا مختلفين، وإن لم يعتبر كانا واحدا، والواحد ليس بمثلين‏.‏

والمتواطئ هو‏:‏ اللفظ الموضوع لمعنى كلي مستو في محاله كالرجل‏.‏

والمشكك هو‏:‏ الموضوع لمعنى كلي مختلف في محاله إما بالكثرة، والقلة كالنور بالنسبة إلى السراج، والشمس، أو بإمكان التغير، واستحالته كالوجود بالنسبة إلى الواجب، والممكن، أو بالاستغناء، والافتقار كالموجود بالنسبة إلى الجوهر، والعرض‏.‏

والمترادفة هي‏:‏ الألفاظ الكثيرة لمعنى واحد كالقمح، والبر، والحنطة‏.‏

والمتباينة هي‏:‏ الألفاظ الموضوع كل واحد منها لمعنى كالإنسان، والفرس، والطير، ولو كانت للذات، والصفة وصفة الصفة نحو زيد متكلم، فصيح‏.‏

والمنقول هو‏:‏ اللفظ الذي غلب استعماله في غير موضوعه الأول حتى صار أشهر من الأول‏.‏

والمرتجل هو‏:‏ اللفظ الموضوع لمعنى لم يسبق بوضع آخر‏.‏

والعلم هو‏:‏ الموضوع لجزئي كزيد‏.‏

والمضمر هو‏:‏ اللفظ المحتاج في تفسيره إلى لفظ منفصل عنه إن كان غائبا، أو قرينة تكلم، أو خطاب، فقولنا إلى لفظ احترازا من ألفاظ الإشارة، وقولنا منفصل عنه احترازا من الموصولات، وقولنا قرينة تكلم، أو خطاب ليدخل ضمير المتكلم والمخاطب‏.‏

والنص‏:‏ فيه ثلاثة اصطلاحات‏.‏

قيل هو ما دل على معنى قطعا، ولا يحتمل غيره قطعا كأسماء الأعداد‏.‏

وقيل‏:‏ ما دل على معنى قطعا، وإن احتمل غيره كصيغ الجموع في العموم، فإنها تدل على أقل الجمع قطعا، وتحتمل الاستغراق‏.‏

وقيل‏:‏ ما دل على معنى كيف كان، وهو غالب استعمال الفقهاء‏.‏

والظاهر هو‏:‏ المتردد بين احتمالين، فأكثر هو في أحدهما أرجح‏.‏

والمجمل هو‏:‏ المتردد بين احتمالين، فأكثر على السواء‏.‏

ثم التردد قد يكون من جهة الوضع كالمشترك، وقد يكون من جهة العقل كالمتواطئ بالنسبة إلى أشخاص مسماه نحو قوله تعالى‏:‏ ‏(‏آتوا حقه يوم حصاده‏)‏‏.‏ فهو ظاهر بالنسبة إلى الحق مجمل بالنسبة إلى مقاديره‏.‏

والمبين هو‏:‏ ما أفاد معناه إما بسبب الوضع، أو بضميمة بيان إليه‏.‏

والعام هو‏:‏ الموضوع لمعنى كلي بقيد تتبعه في محاله نحو المشركين‏.‏

والمطلق هو‏:‏ اللفظ الموضوع لمعنى كلي نحو رجل‏.‏

والمقيد هو‏:‏ اللفظ الذي أضيف إلى مسماه معنى زائد عليها نحو رجل صالح‏.‏

والأمر هو‏:‏ اللفظ الموضوع لطلب الفعل طلبا جازما على سبيل الاستعلاء نحو قم‏.‏

والنهي هو‏:‏ الموضوع لطلب الترك طلبا جازما‏.‏

والاستفهام هو‏:‏ طلب حقيقة الشيء‏.‏

والخبر هو‏:‏ الموضوع للفظين، فأكثر أسند مسمى أحدهما إلى مسمى الآخر إسنادا يقبل الصدق، والكذب لذاته نحو زيد قائم‏.‏

الفصل السابع‏:‏ الفرق بين الحقيقة، والمجاز، وأقسامهما

فالحقيقة هي‏:‏ استعمال اللفظ فيما وضع له في العرف الذي وقع به التخاطب، وهي أربعة لغوية كاستعمال الإنسان في الحيوان الناطق، وشرعية كاستعمال لفظ الصلاة في الأفعال المخصوصة، وعرفية عامة كاستعمال لفظ الدابة في الحمار، وخاصة نحو استعمال لفظ الجوهر في المتحيز الذي لا يقبل القسمة‏.‏

والمجاز‏:‏ استعمال اللفظ في غير ما وضع له في العرف الذي وقع به التخاطب لعلاقة بينهما‏.‏

وهو ينقسم بحسب الواضع إلى أربعة‏:‏ مجاز لغوي‏:‏ كاستعمال الأسد في الرجل الشجاع، وشرعي‏:‏ كاستعمال لفظ الصلاة في الدعاء، وعرفي عام‏:‏ كاستعمال لفظ الدابة في مطلق ما اتصف بالدبيب، وخاص‏:‏ كاستعمال لفظ الجوهر في النفيس‏.‏

وبحسب الموضوع له إلى‏:‏ مفرد نحو قولنا أسد، للرجل الشجاع، وإلى‏:‏ مركب كقوله‏:‏

أشاب الصغير، وأفنى الكبير كر الغداة، ومر العشي

فالمفردات حقيقة، وإسناد الإشابة، والإفناء إلى الكر، والمر مجاز في التركيب‏.‏

وإلى مفرد، ومركب نحو قولهم‏:‏ أحياني اكتحالي بطلعتك، فاستعمال الإحياء، والاكتحال في السرور، والرؤية مجاز في الإفراد، وإضافة الإحياء إلى الاكتحال مجاز في التركيب، فإنه مضاف إلى الله تعالى‏.‏

وبحسب هيئته إلى الخفي‏:‏ كالأسد للرجل الشجاع، والجلي الراجح كالدابة للحمار‏.‏

وهاهنا دقيقة، وهي أن كل مجاز راجح منقول، وليس كل منقول مجازا راجحا، فالمنقول أعم مطلقا، والمجاز الراجح أخص مطلقا‏.‏

فرع‏:‏ كل محل قام به معنى وجب أن يشتق له من لفظ ذلك المعنى لفظ، ويمتنع الاشتقاق لغيره خلافا للمعتزلة في الأمرين‏.‏

فإن كان الاشتقاق باعتبار قيامه في الاستقبال، فهو مجاز إجماعا نحو تسمية العنب بالخمر، أو باعتبار قيامه في الحال، فهو حقيقة إجماعا نحو تسمية الخمر خمرا‏.‏

أو باعتبار الماضي، ففي كونه حقيقة، أو مجازا مذهبان أصحهما المجاز‏.‏ هذا إذا كان محكوما به أما إذا كان متعلق الحكم، فهو حقيقة مطلقا نحو‏:‏ فاقتلوا المشركين‏.‏

الفصل الثامن‏:‏ التخصيص

وهو‏:‏ إخراج بعض ما يتناوله اللفظ العام، أو ما يقوم مقامه بدليل منفصل في الزمان إن كان المخصص لفظيا، أو بالجنس إن كان عقليا قبل تقرر حكمه‏.‏

فقولنا‏:‏ أو ما يقوم مقامه احترازا من المفهوم، فإنه يدخله التخصيص، وقولنا‏:‏ في الزمان احترازا من الاستثناء، وقولنا‏:‏ بالجنس لأن المخصص العقلي مقارن، وقولنا‏:‏ قبل تقرر حكمه احترازا من أن يعمل بالعام، فإن الإخراج بعد هذا يكون نسخا‏.‏

الفصل التاسع‏:‏ في لحن الخطاب، وفحواه، ودليله، وتنبيهه، واقتضائه، ومفهومه

فلحن الخطاب هو‏:‏ دلالة الاقتضاء، وهو دلالة اللفظ التزاما على ما لا يستقل الحكم إلا به، وإن كان اللفظ لا يقتضيه وضعا نحو قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق‏)‏‏.‏ تقديره، فضرب، فانفلق‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فأتيا فرعون‏)‏‏.‏ إلى قوله‏:‏ ‏(‏قال ألم نربك فينا وليدا‏)‏‏.‏ تقديره، فأتياه، وقيل هو فحوى الخطاب، وهو خلاف لفظي‏.‏

قال القاضي عبد الوهاب‏:‏ واللغة تقتضي الاصطلاحين، وقال الباجي‏:‏ هو دليل الخطاب، وهو مفهوم المخالفة، وهو إثبات نقيض حكم المنطوق به للمسكوت عنه‏.‏

وهو عشرة أنواع‏:‏

مفهوم العلة نحو‏:‏ ما أسكر فهو حرام‏.‏

ومفهوم الصفة نحو‏:‏ قوله عليه السلام‏:‏ في سائمة الغنم الزكاة‏.‏

والفرق بينهما أن العلة في الثاني الغنى، والسوم مكمل له، وفي الأول العلة عين المذكور‏.‏

ومفهوم الشرط نحو‏:‏ من تطهر صحت صلاته‏.‏

ومفهوم الاستثناء نحو‏:‏ قام القوم إلا زيدا‏.‏

ومفهوم الغاية نحو‏:‏ أتموا الصيام إلى الليل‏.‏

ومفهوم الحصر نحو‏:‏ إنما الماء من الماء‏.‏

ومفهوم الزمان نحو‏:‏ سافرت يوم الجمعة‏.‏

ومفهوم المكان نحو‏:‏ جلست أمام زيد‏.‏

ومفهوم العدد نحو قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فاجلدوهم ثمانين جلدة‏)‏‏.‏

ومفهوم اللقب، وهو‏:‏ تعليق الحكم على مجرد أسماء الذوات‏.‏ نحو‏:‏ في الغنم الزكاة، وهو أضعفها‏.‏

وتنبيه الخطاب، وهو مفهوم الموافقة عند القاضي عبد الوهاب، أو المخالفة عند غيره، وكلاهما فحوى الخطاب عند الباجي، فترادف تنبيه‏:‏ الخطاب، وفحواه‏.‏

ومفهوم الموافقة لمعنى واحد، وهو‏:‏ إثبات حكم المنطوق به للمسكوت عنه بطريق الأولى كما يترادف مفهوم المخالفة، ودليل الخطاب، وتنبيهه‏.‏

ومفهوم الموافقة نوعان‏:‏ أحدهما‏:‏ إثباته في الأكثر نحو قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فلا تقل لهما أف‏)‏‏.‏ فإنه يقتضي تحريم الضرب بطريق الأولى، وثانيهما‏:‏ إثباته في الأقل نحو قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك‏)‏‏.‏ فإنه يقتضي ثبوت الأمانة في الدرهم بطريق الأولى‏.‏

الفصل العاشر‏:‏ في الحصر

وهو‏:‏ إثبات نقيض حكم المنطوق به للمسكوت عنه بصيغة إنما، ونحوها‏.‏

وأدواته أربع‏:‏

إنما نحو‏:‏ إنما الماء من الماء‏.‏

وتقدم النفي قبل إلا نحو‏:‏ لا يقبل صلاة إلا بطهور‏.‏

والمبتدأ مع الخبر نحو قوله عليه السلام‏:‏ تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم‏.‏ فالتحريم محصور في التكبير، والتحليل محصور في التسليم، وكذلك‏:‏ ذكاة الجنين ذكاة أمه‏.‏

وتقديم المعمولات نحو قوله تعالى‏:‏ ‏(‏إياك نعبد‏)‏‏.‏ ‏(‏وهم بأمره يعملون‏)‏‏.‏ أي لا نعبد إلا إياك، وهم لا يعملون إلا بأمره‏.‏

وهو منقسم إلى حصر الموصوفات في الصفات نحو إنما زيد عالم، وإلى حصر الصفات في الموصوفات نحو إنما العالم زيد، وعلى التقديرين، فقد يكون عاما في المتعلق نحو ما تقدم، وقد يكون خاصا نحو قوله تعالى‏:‏ ‏(‏إنما أنت منذر‏)‏‏.‏ أي باعتبار من لا يؤمن، فإن حظه منه الإنذار ليس إلا، فهو محصور في إنذاره، ولا وصف له غير الإنذار باعتبار هذه الطائفة، وإلا فهذه الصيغة تقتضي حصره في النذارة، فلا يوصف بالبشارة، ولا بالعلم، ولا بالشجاعة، ولا بصفة أخرى، ومن هذا الباب قولهم زيد صديقي، وصديقي زيد، فالأول يقتضي حصر زيد في صداقتك، فلا يصادق غيرك، وأنت يجوز أن تصادق غيره، والثاني يقتضي حصر صداقتك فيه، وهو غير منحصر في صداقتك بل يجوز أن يصادق غيرك على عكس الأول‏.‏

الفصل الحادي عشر‏:‏ خمس حقائق لا تتعلق إلا بالمستقبل من الزمان

وبالمعدوم، وهي‏:‏ الأمر، والنهي، والدعاء، والشرط، وجزاؤه‏.‏

الفصل الثاني عشر‏:‏ حكم العقل بأمر على أمر إما غير جازم

أو جازم، والاحتمالات إما مستوية، فهو الشك، أو بعضها راجح، وهو الظن، والمرجوح وهم‏.‏

والجازم إما غير مطابق، وهو الجهل المركب، أو مطابق، وهو إما لغير موجب، وهو التقليد، أو لموجب، وهو إما عقل وحده، فإن استغنى عن الكسب، فهو البديهي، وإلا فهو النظري، أو حس وحده، وهو المحسوسات الخمس، أو مركب منهما، وهو المتواترات، والتجريبيات، والحدسيات، والوجدانيات أشبه بالمحسوسات، فتندرج معها‏.‏

الفصل الثالث عشر‏:‏ في الحكم، وأقسامه‏:‏

الحكم الشرعي هو خطاب الله القديم المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء، أو التخيير‏.‏

فالقديم احترازا من نصوص أدلة الحكم، فإنها خطاب الله، وليست حكما، وإلا اتحد الدليل، والمدلول، وهي محدثة، والمكلفين احترازا من المتعلق بالجماد، وغيره، والاقتضاء احترازا من الخبر، وقولنا‏:‏ أو التخيير ليدخل المباح‏.‏

واختلف في أقسامه، فقيل خمسة‏:‏ الوجوب، والتحريم، والندب، والكراهة، والإباحة‏.‏

وقيل أربعة‏:‏ والمباح ليس من الشرع‏.‏

وقيل اثنان‏:‏ التحريم، والإباحة، وفسرت بجواز الإقدام الذي يشمل الوجوب، والندب، والكراهة، والإباحة، وعلى هذا المذهب يتخرج قوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ أبغض المباح إلى الله الطلاق‏.‏

فإن البغضة تقتضي رجحان طرف الترك، والرجحان مع التساوي محال‏.‏

والواجب‏:‏ ما ذم تاركه شرعا، والمحرم‏:‏ ما ذم فاعله شرعا، وقيد الشرع احترازا من العرف، والمندوب‏:‏ ما رجح فعله على تركه شرعا من غير ذم، والمكروه‏:‏ ما رجح على فعله شرعا من غير ذم، والمباح‏:‏ ما استوى طرفاه في نظر الشرع‏.‏

تنبيه‏:‏

ليس كل واجب يثاب على فعله، ولا كل محرم يثاب على تركه‏.‏

أما الأول‏:‏ فكنفقات الزوجات، والأقارب، والدواب، ورد المغصوب، والودائع، والديون، والعواري، فإنها واجبة، وإذا فعلها الإنسان غافلا عن امتثال أمر الله تعالى فيها وقعت واجبة مجزئة مبرئة للذمة، ولا ثواب‏.‏

وأما الثاني‏:‏ فلأن المحرمات يخرج الإنسان عن عهدتها بمجرد تركها، وإن لم يشعر بها، فضلا عن القصد إليها حتى ينوي امتثال أمر الله تعالى فيها، فلا ثواب حينئذ‏.‏ نعم متى اقترن قصد الامتثال في الجميع حصل الثواب‏.‏

الفصل الرابع عشر‏:‏ في أوصاف العبادة

وهي خمسة‏:‏

الأول‏:‏ الأداء، وهو إيقاع العبادة في وقتها المعين لها شرعا لمصلحة اشتمل عليها الوقت، فقولنا‏:‏ في وقتها احترازا من القضاء، وقولنا‏:‏ شرعا احترازا من العرف، وقولنا‏:‏ لمصلحة اشتمل عليها الوقت احترازا من تعيين الوقت لمصلحة المأمور به، لا لمصلحة في الوقت كما إذا قلنا‏:‏ الأمر للفور، فإنه يتعين الزمن الذي يلي ورود الأمر، ولا يوصف بكونه أداء في وقته، ولا قضاء بعد وقته، كمن بادر لإزالة منكر، أو إنقاذ غريق، فإن المصلحة هاهنا في الإنقاذ سواء كان في هذا الزمان، أو غيره‏.‏

وأما تعيين أوقات العبادات، فنحن نعتقد أنها لمصالح في نفس الأمر اشتملت عليها هذه الأوقات، وإن كنا لا نعلمها، وهكذا كل تعبدي‏:‏ معناه أنا لا نعلم مصلحته لا أنه ليس فيه مصلحة طردا لقاعدة الشرع في عادته في رعاية مصالح العباد على سبيل التفضل‏.‏

فقد تلخص‏:‏ أن التعييين في الفوريات لتكميل مصلحة المأمور به، وفي العبادات لمصالح في الأوقات، فظهر الفرق‏.‏

الثاني‏:‏ القضاء، وهو إيقاع العبادة خارج وقتها الذي عينه الشرع لمصلحة فيه‏.‏

تنبيه‏:‏ لا يشترط في القضاء تقدم الوجوب بل تقدم سببه عند الإمام، والمازري، وغيرهما من المحققين خلافا للقاضي عبد الوهاب، وجماعة من الفقهاء لأن الحائض تقضي ما حرم عليها فعله في زمن الحيض، والحرام لا يتصف بالوجوب، وبسط ذلك في الطهارة في موانع الحيض مذكور‏.‏

ثم تقدم السبب قد يكون مع الإثم كالمتعمد المتمكن، وقد لا يكون كالنائم، والحائض‏.‏

والمزيل للإثم‏:‏ قد يكون من جهة العبد كالسفر، وقد لا يكون كالحيض، وقد يصح معه الأداء كالمرض، وقد لا يصح إما شرعا كالحيض، أو عقلا كالنوم‏.‏

فائدة‏:‏ العبادة قد توصف بالأداء، والقضاء كالصلوات الخمس، وقد لا توصف بهما كالنوافل، وقد توصف بالأداء وحده كالجمعة، والعيدين‏.‏

الثالث‏:‏ الإعادة، وهي إيقاع العبادة في وقتها بعد تقدم إيقاعها على نوع من الخلل، ثم الخلل قد يكون في الصحة كمن صلى بدون شرط، أو ركن، وقد يكون في الكمال كالمنفرد بالصلاة‏.‏

الرابع‏:‏ الصحة، وهي عند المتكلمين ما وافق الأمر، وعند الفقهاء ما أسقط القضاء، والبطلان يتخرج على المذهبين، فصلاة من ظن الطهارة، وهو محدث صحيحة عند المتكلمين لأن الله تعالى أمره أن يصلي صلاة يغلب على ظنه طهارته، وقد فعل، فهو موافق للأمر، وباطلة عند الفقهاء لكونها لم تمنع من ترتب القضاء‏.‏

وأما فساد العقود‏:‏ فهو خلل يوجب عدم ترتب آثارها عليها إلا أن تلحق بها عوارض على أصولنا يأتي في كتاب البيوع، وغيره إن شاء الله تعالى‏.‏

الخامس‏:‏ الإجزاء، وهو كون الفعل كافيا في الخروج عن عهدة التكليف، وقيل ما أسقط القضاء‏.‏

الفصل الخامس عشر‏:‏ فيما تتوقف عليه الأحكام

وهو ثلاثة‏:‏ السبب، والشرط، وانتفاء المانع، فإن الله تعالى شرع الأحكام، وشرع لها أسبابا، وشروطا، وموانع‏.‏

وورد خطابه على قسمين‏:‏

خطاب تكليف يشترط فيه علم المكلف، وقدرته، وغير ذلك كالعبادات، وخطاب وضع لا يشترط فيه شيء من ذلك، وهو الخطاب بكثير من الأسباب، والشروط، والموانع، وليس ذلك عاما فيها، فلذلك توجب الضمان على المجانين، والغافلين بسبب الإتلاف لكونه من باب الوضع الذي معناه أن الله تعالى قال‏:‏ إذا وقع هذا في الوجود، فاعلموا أني حكمت بكذا، ومن ذلك الطلاق بالإضرار، والإعسار، والتوريث بالأنساب، وقد يشترط في السبب العلم كإيجاب الزنا للحد، والقتل للقصاص‏.‏

إذا تقرر هذا فنقول‏:‏

السبب ما يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم لذاته، فالأول احتراز من الشرط، والثاني احتراز من المانع، والثالث احتراز من مقارنته فقدان الشرط، أو وجود المانع، فلا يلزم من وجود الوجود، أو إخلافه بسبب آخر، فلا يلزم من عدمه العدم‏.‏

والشرط‏:‏ ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده الوجود، ولا العدم لذاته، فالأول احتراز من المانع، والثاني احتراز من السبب، والمانع أيضا، والثالث احتراز من مقارنته لوجود السبب، فيلزم الوجود عند وجوده، أو قيام المانع، فيقارن العدم‏.‏

والمانع‏:‏ ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه وجود، ولا عدم لذاته، فالأول احتراز من السبب، والثاني احتراز من الشرط، والثالث احتراز من مقارنة عدمه لوجود السبب، فالمعتبر من المانع وجوده، ومن الشرط عدمه، ومن السبب وجوده، وعدمه‏.‏

‏(‏فوائد خمس

الأولى‏:‏ الشرط، وجزء العلة كلاهما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود، ولا عدم، فهما يلتبسان، والفرق بينهما أن جزء العلة مناسب في ذاته، والشرط مناسب في غيره كجزء النصاب، فإنه مشتمل على بعض الغنى في ذاته، ودوران الحول ليس فيه شيء من الغنى، وإنما هو مكمل للغني الكائن في النصاب‏.‏

الثانية‏:‏ إذا اجتمعت أجزاء العلة ترتب الحكم، وإذا اجتمعت العلل المستقلة ترتب الحكم أيضا، فما الفرق بين الوصف الذي هو جزء علة، وبين الوصف الذي هو علة مستقلة‏؟‏ والفرق بينهما أن جزء العلة إذا انفرد لا يثبت معه الحكم كأحد أوصاف القتل العمد، والعدوان، فإن المجموع يسبب القصاص، وإذا انفرد جزؤه لا يترتب عليه قصاص، والوصف الذي هو علة مستقلة إذا اجتمع مع غيره ترتب الحكم، وإذا انفرد ترتب معه الحكم أيضا كإيجاب الوضوء على من لامس، وبال، ونام، وإذا انفرد أحدهما وجب الوضوء أيضا‏.‏

الثالثة‏:‏ الحكم كما يتوقف على وجود سببه يتوقف على وجود شرطه، فبم يعلم كل واحد منهما يعلم بأن السبب مناسب في ذاته، والشرط مناسب في غيره كالنصاب مشتمل على الغنى في ذاته، والحول مكمل لحكمة الغنى في النصاب بالتمكن من التنمية‏.‏

الرابعة‏:‏ الموانع الشرعية على ثلاثة أقسام منها ما يمنع ابتداء الحكم، واستمراره، ومنها ما يمنع ابتداء فقط، ومنها ما اختلف فيه هل يلحق بالأول، أو بالثاني، فالأول كالرضاع يمنع ابتداء النكاح، واستمراره إذا طرأ عليه، والثاني كالاستبراء يمنع ابتداء النكاح، ولا يبطل استمراره إذا طرأ عليه، والثالث كالإحرام بالنسبة إلى وضع اليد على الصيد، فإنه يمنع من وضع اليد على الصيد ابتداء، فإن طرأ على الصيد، فهل تجب إزالة اليد عنه‏؟‏ خلاف بين العلماء، وكالطول يمنع من نكاح الأمة ابتداء، فإن طرأ عليه، فهل يبطله‏؟‏ فيه خلاف، وكوجود الماء يمنع التيمم ابتداء، فلو طرأ بعده، فهل يبطله‏؟‏ فيه خلاف‏.‏

الخامسة‏:‏ الشروط اللغوية أسباب، لأنه يلزم من وجودها الوجود، ومن عدمها العدم بخلاف الشروط العقلية كالحياة مع العلم، والشرعية كالطهارة مع الصلاة، والعادية كالغذاء مع الحياة في بعض الحيوان‏.‏

السادس عشر‏:‏ الرخصة

جواز الإقدام على الفعل مع اشتهار المانع منه شرعا، والعزيمة طلب الفعل الذي لم يشتهر فيه مانع شرعي، ثم الرخصة قد تنتهي للوجوب كأكل المضطر للميتة، وقد لا تنتهي كإفطار المسافر، وقد يباح سببها كالسفر، وقد لا يباح كالغصة لشرب الخمر‏.‏

السابع عشر‏:‏ في الحسن، والقبح

حسن الشيء، وقبحه يراد بهما ما لاءم الطبع أو نافره نحو إنقاذ الغرقى، واتهام الأبرياء، أو كونه صفة كمال، أو نقص نحو العلم حسن، والجهل قبيح، أو كونه موجبا للمدح، أو الذم الشرعيين، والأولان عقليان إجماعا، والثالث شرعي عندنا لا يعلم، ولا يثبت إلا بالشرع، فالقبيح ما نهى الله تعالى عنه، والحسن ما لم ينه سبحانه عنه، وعند المعتزلة هو عقلي لا يفتقر إلى ورود الشرائع بل العقل اقتضى ثبوته قبل الرسل، وإنما الشرائع مؤكدة لحكم العقل فيما علمه ضرورة كالعلم بحسن الصدق النافع، وقبح الكذب الضار، أو نظرا كحسن الصدق الضار، وقبح الكذب النافع، أو مظهرة لما لم يعلمه العقل ضرورة، ولا نظرا كوجوب آخر يوم من رمضان، وتحريم أول يوم من شوال، وعندنا الشرع الوارد منشىء للجميع، فعلى رأينا لا يثبت حكم قبل الشرع خلافا للمعتزلة في قولهم إن كل ما يثبت بعد الشرع فهو ثابت قبله، وخلافا للأبهري من أصحابنا القائل بالحظر مطلقا، ولأبي الفرج القائل بالإباحة مطلقا، وكذلك قال بقولهما جماعة من المعتزلة فيما لم يطلع العقل على حاله كآخر يوم من رمضان‏.‏

‏[‏لنا قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا‏)‏‏.‏ نفي التعذيب قبل البعثة، فينتفي ملزومه، وهو الحكم، فإن قيل بأنا نعلم بالضرورة حسن الإحسان، وقبح الإساءة قلنا‏:‏ محل الضرورة مورد الطباع، وليس محل النزاع‏]‏‏.‏

الثامن عشر‏:‏ في بيان الحقوق

فحق الله تعالى أمره، ونهيه، وحق العبد مصالحه، والتكاليف على ثلاثة أقسام‏:‏ حق لله تعالى فقط كالإيمان، وحق للعباد فقط كالديون، والأثمان، وقسم اختلف فيه هل يغلب فيه حق الله تعالى، أو حق العبد كحد القذف، ونعني بحق العبد المحض أنه لو أسقطه لسقط، وإلا فما من حق للعبد إلا وفيه حق لله تعالى، وهو أمره بإيصال ذلك الحق إلى مستحقه‏.‏

التاسع عشر‏:‏ في بيان الخصوص، والعموم، والمساواة، والمباينة، وأحكامها

الحقائق كلها أربعة أقسام إما متساويان، وهما اللذان يلزم من وجود كل واحد منهما وجود الآخر، ومن عدمه عدمه كالرجم، وزنا المحصن، وإما متباينان، وهما اللذان لا يجتمع أحدهما مع الآخر في محل كالإسلام، والجزية، وإما أعم مطلقا، أو أخص مطلقا، وهما اللذان يوجد أحدهما مع وجود كل أفراد الآخر من غير عكس كالغسل، والإنزال المعتبر، فإن الغسل أعم مطلقا، والإنزال أخص مطلقا، أو يكون كل واحد منهما أعم من وجه، وأخص من وجه، وهما اللذان يوجد كل واحد منهما مع الآخر، وبدونه كحل النكاح مع ملك اليمين، فيوجد حل النكاح بدون المالك في الحرائر، ويوجد الملك بدون حل النكاح في موطوءات الآباء من الإماء، ويجتمعان معا في الأمة التي ليس فيها مانع، فيستدل بوجود المساوي على وجود مساويه، وبعدمه على عدمه، وبوجود الأخص على وجود الأعم، وبنفي الأعم على نفي الأخص، وبوجود المباين على عدم مباينه، ولا دلاله في الأعم من وجه مطلقا، ولا في عدم الأخص، ولا وجود الأعم‏.‏

العشرون‏:‏ المعلومات

كلها أربعة أقسام‏:‏

نقيضان، وهما اللذان لا يجتمعان، ولا يرتفعان كوجود زيد، وعدمه، وخلافان، وهما اللذان يجتمعان، ويرتفعان كالحركة، والسكون، وضدان، وهما اللذان لا يجتمعان، ويمكن ارتفاعهما مع الخلاف في الحقيقة كالسواد، والبياض، ومثلان، وهما اللذان لا يجتمعان، ويمكن ارتفاعهما مع تساوي الحقيقة كالبياض، والبياض‏.‏

الباب الثاني‏:‏‏)‏في معاني حروف يحتاج إليها الفقيه‏)‏

الواو لمطلق الجمع في الفعل دون الترتيب في الزمان‏.‏

والفاء للتعقيب، والترتيب نحو سها، فسجد‏.‏

ثم للتراخي‏.‏

وحتى، وإلى للغاية‏.‏

وفي للظرفية، والسببية نحو قوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ في النفس المؤمنة مائة من الإبل‏.‏

واللام للتمليك نحو المال لزيد، والاختصاص نحو هذا ابن لزيد، والاستحقاق نحو هذا السرج للدابة، والتعليل نحو هذه العقوبة للتأديب، والتأكيد نحو إن زيدا لقائم، والقسم نحو قوله تعالى‏:‏ ‏(‏لنسفعا بالناصية‏)‏‏.‏

والباء للإلصاق نحو مررت بزيد، والاستعانة نحو كتبت بالقلم، والتعليل نحو سعدت بطاعة الله، والتبعيض عند بعضهم، وهو منكر عند أئمة اللغة‏.‏

أو إما للتخيير نحو قوله تعالى‏:‏ ‏(‏هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما‏)‏‏.‏ أو للإباحة نحو أصحب العلماء، أو الزهاد، فله الجمع بينهما بخلاف الأول، أو للشك نحو جاءني زيد، أو عمرو، أو للإبهام نحو جاءني زيدا أو عمرو، وكنت عالما بالآتي منهما، وإنما أردت التلبيس على السامع بخلاف الشك، أو للتنويع نحو العدد إما زوج، أو فرد أي هو متنوع إلى هذين النوعين‏.‏

وإن وكل ما تضمن معناه للشرط نحو إن جاء زيد جاء عمرو، ومن دخل داري فله درهم، وما تصنع أصنع، وأي شيء يفعل أفعل، ومتى قدمت سعدت، وأين تجلس أجلس‏.‏

ولو مثل هذه الكلمات في الشرط نحو لو جاء زيد أكرمته، وهي تدل على انتفاء الشيء لانتفاء غيره، فمتى دخلت على ثبوتين، فهما منفيان، ومتى دخلت على نفيين، فهما ثابتان، ومتى دخلت على نفي، وثبوت، فالثابت منفي، والمنفي ثابت‏.‏

ولولا تدل على انتفاء الشيء لوجود غيره لأجل أن لا يثبت النفي الكائن مع لو، فصار ثبوتا، وإلا فحكم لو لم ينتقض، فقوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك‏.‏ يدل على انتفاء الأمر لأجل وجود المشقة المترتبة على تقدير ورود الأمر‏.‏

وبل لإبطال الحكم عن الأول، وإثباته للثاني نحو جاء زيد بل عمرو‏.‏

وعكسها لا نحو جاء زيد لا عمرو‏.‏

ولكن للاستدراك بعد النفي نحو ما جاء زيد لكن عمرو، ولا بد أن يتقدمها نفي في المفردات، أو يحصل تناقض بين المركبات، والعدد يذكر فيه المؤنث، ويؤنث فيه المذكر، ولذلك قلنا‏:‏ إن المراد بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء‏)‏‏.‏ الأطهار دون الحيض لأن الطهر مذكر، والحيضة مؤنثة، وقد ورد النص بصيغة التأنيث، فيكون المعدود مذكرا لا مؤنثا‏.‏

الباب الثالث‏:‏‏)‏في تعارض مقتضيات الألفاظ‏)‏

يحمل اللفظ على الحقيقة دون المجاز، والعموم دون الخصوص، والإفراد دون الاشتراك، والاستقلال دون الإضمار، وعلى الإطلاق دون التقييد، وعلى التأصيل دون الزيادة، وعلى الترتيب دون التقديم، والتأخير، وعلى التأسيس دون التأكيد، وعلى البقاء دون النسخ، وعلى الشرعي دون العقلي، وعلى العرفي دون اللغوي إلا أن يدل على خلاف ذلك‏.‏

فروع أربعة، الأول‏:‏ يجوز عند المالكية استعمال اللفظ في حقائقه إن كان مشتركا، أو مجازاته، أو مجازه، وحقيقته، وبذلك قال الشافعي - رحمه الله -، وجماعة من أصحابه خلافا لقوم، وهذا يشترط فيه دليل يدل على وقوعه، وهذا الفرع يبنى على قاعدة، وهي أن المجاز على ثلاثة أقسام‏:‏ جائز إجماعا، وهو ما اتحد محمله، وقربت علاقته، وممتنع إجماعا، وهو مجاز التعقيد، وهو ما افتقر إلى علاقات كثيرة نحو قول القائل تزوجت بنت الأمير، ويفسر ذلك برؤيته لوالد عاقد الأنكحة بالمدينة معتمدا على أن النكاح ملازم للعقد الذي هو ملازم للعاقد الذي هو ملازم لأبيه، ومجاز مختلف فيه، وهو الجمع بين حقيقتين، أو مجازين، أو مجاز وحقيقة، فإن الجمع بين الحقيقتين مجاز، وكذلك الباقي لأن اللفظ لم يوضع للمجموع، فهو مجاز فيه، فنحن، والشافعي نقول بهذا المجاز، وغيرنا لا يقول به‏.‏

‏[‏لنا قوله تعالى‏:‏ ‏(‏إن الله وملائكته يصلون على النبي‏)‏‏.‏ والصلاة من الملائكة الدعاء، ومن الله تعالى الإحسان، فقد استعمل في المعنيين بأنه يمتنع استعماله حقيقة لعدم الوضع، ومجازا لأن العرب لم تجزه، والجواب منع الثاني‏]‏‏.‏

الثاني‏:‏ إذا تجرد المشترك عن القرائن كان مجملا لا يتصرف فيه إلا بدليل يعين أحد مسمياته، وقال الشافعي‏:‏ حمله على الجميع احتياطا‏.‏

الثالث‏:‏ إذا دار اللفظ بين الحقيقة المرجوحة، والمجاز الراجح كلفظ الدابة حقيقة مرجوحة في مطلق الدابة مجاز راجح في الحمار، فيحمل على الحقيقة عند أبي حنيفة ترجيحا للحقيقة على المجاز، وعلى المجاز الراجح عند أبي يوسف نظرا لرجحانه، وتوقف الإمام فخر الدين في ذلك نظرا للتعارض، والأظهر مذهب أبي يوسف، فإن كل شيء قدم من الألفاظ إنما قدم لرجحانه، والتقدير رجحان المجاز، فيجب المصير إليه‏.‏

وهاهنا دقيقة، وهو أن الكلام إذا كان في سياق النفي، والمجاز الراجح بعض أفراد الحقيقة كالدابة، والطلاق يتعين أن الكلام نص في نفي المجاز الراجح بالضرورة، فلا يتأتى توقف الإمام - رحمه الله -، وإذا كان في سياق الإثبات، والمجاز الراجح بعض أفراد الحقيقة، فهو نص في إثبات الحقيقة بالضرورة، فلا يأتي توقفه أيضا، وإنما يتأتى له ذلك إن سلم له في نفي الحقيقة، والكلام في سياق النفي، أو في إثبات المجاز، والكلام في سياق الإثبات، أو يكون المجاز الراجح ليس بعض أفراد الحقيقة كالرواية، والنجو‏.‏

الرابع‏:‏ إذا دار اللفظ بين احتمالين مرجوحين، فيقدم التخصيص، والمجاز، والإضمار، والنقل، والاشتراك على النسخ، والأربعة الأولى على الاشتراك، والثلاثة الأولى على النقل، والأولان على الإضمار، والأول على الثاني، لأن النسخ يحتاط فيه أكثر لكونه يصير اللفظ باطلا، فتكون مقدماته أكثر، فيكون مرجوحا، فتقدم لرجحانها عليه، والاشتراك محمل حاله القريبة بخلاف الأربعة، والنقل يحتاج إلى اتفاق على إبطال، وإنشاء وضع بعد وضع، والثلاثة يكفي فيها مجرد القرينة، فتقدم عليه، ولأن الإضمار أقل، فيكون مرجوحا، ولأن التخصيص في بعض الحقيقة بخلاف المجاز‏.‏

الباب الرابع‏:‏‏)‏في الأوامر‏)‏

وفيه ثمانية فصول‏:‏

الفصل الأول‏:‏ في مسماه ما هو

أما لفظ الأمر، فالصحيح أنه اسم لمطلق الصيغة الدالة على الطلب من سائر اللغات لأنه المتبادر إلى الذهن، هذا هو مذهب الجمهور، وعند بعض الفقهاء مشتركة بين القول، والفعل، وعند أبي الحسين مشتركة بينهما، وبين الشأن، والشيء، والصفة، وقيل هو موضوع للكلام النفساني دون اللساني، وقيل منزل بينهما، وأما اللفظ الذي هو مدلول الأمر، فهو موضوع عند مالك - رحمه الله -، وعند أصحابه للوجوب، وعند أبي هاشم للندب، وللقدر المشترك بينهما عند قوم، وعند آخرين لا يعلم حاله، وهو عنده أيضا للفور، وعند الحنفية خلافا لأصحابنا المغاربة، والشافعية، وقيل بالوقف، وهو عنده للتكرار قاله ابن القصار من استقراء كلامه، وخالفه أصحابه، وقيل بالوقف ‏[‏لنا قوله تعالى لإبليس‏:‏ ‏(‏ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك‏)‏‏.‏ رتب الذم على ترك المأمور به في الحال، وذلك دليل الوجوب، والفور، وأما التكرار، فلصحة الاستثناء من كل زمان من الفعل، فإن علق على شرط، فهو عنده، وعند جمهور أصحابه، والشافعية للتكرار خلافا للحنفية، وهو يدل على الإجزاء عند أصحابه خلافا لأبي هاشم لأنه لو بقيت الذمة مشغولة بعد الفعل لم يكن أتى بما أمر به، والمقرر خلافه، وعلى النهي عن أضداد المأمور به عند أكثر أصحابه من المعنى لا من اللفظ خلافا لجمهور المعتزلة، وكثير من السنة، ولا يشترط فيه علو الأمر خلافا للمعتزلة، ونص الباجي من أصحاب مالك، وأبو الحسن من المعتزلة على الاستعلاء، واختاره الإمام فخر الدين، ولم يشترط غيرهم الاستعلاء، ولا العلو، والاستعلاء في الأمر من الترفع، وإظهار القهر، والعلو يرجع إلى هيبة الآمر، وشرفه، وعلو منزلته بالنسبة للمأمور، ولا يشترط فيه أيضا إرادة المأمور به، ولا إرادة الطلب خلافا لأبي علي، وأبي هاشم من المعتزلة ‏[‏لنا أنها معنى خفي يتوقف العلم به على اللفظ، فلو توقف اللفظ عليها لزم الدور‏]‏‏.‏

الثاني‏:‏ إذا ورد بعد الحظر اقتضى الوجوب

عند الباجي، ومتقدمي أصحاب مالك، وأصحاب الشافعي، والإمام فخر الدين، وعند جماعة من أصحابنا، وأصحاب الشافعي الإباحة كقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وإذا حللتم فاصطادوا‏)‏ بعد قوله تعالى‏:‏ ‏(‏لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم‏)‏‏.‏

الثالث‏:‏ في عوارضه

مذهب الباجي، وجماعة من أصحابنا أنه إذا نسخ يحتج به على الجواز، وبه قال الإمام فخر الدين، ومنع من ذلك بعض الشافعية، وبعض أصحابنا، ويجوز أن يرد خبرا لا طلب فيه كقوله تعالى‏:‏ ‏(‏قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا‏)‏‏.‏ وأن يرد الخبر بمعناه كقوله تعالى‏:‏ ‏(‏والوالدات يرضعن‏)‏‏.‏ وهو كثير‏.‏

الرابع‏:‏ يجوز تكليف ما لا يطاق

خلافا للمعتزلة، والغزالي، وإن كان لم يقع في الشرع خلافا للإمام فخر الدين ‏[‏لنا قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به‏)‏‏.‏ فسؤال دفعه يدل على جوازه، وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏لا يكلف الله نفسا إلا وسعها‏)‏‏.‏ يدل على عدم وقوعه‏]‏‏.‏

وهاهنا دقيقة، وهي أن ما لا يطاق قد يكون عاديا فقط نحو الطيران في الهواء، أو عقليا فقط كإيمان الكافر الذي علم الله تعالى أنه لا يؤمن، أو عاديا وعقليا معا كالجمع بين الضدين، فالأول، والثالث هما المرادان دون الثاني‏.‏

الخامس‏:‏ فيما ليس من مقتضاة لا يوجب القضاء

عند احتلال المأمور به عملا بالأصل بل القضاء بأمر جديد خلافا لأبي بكر الرازي، وإذا تعلق بحقيقة كلية لا يكون متعلقا بشيء من جزئياتها، ولا يشترط مقارنته للمأمور بل يتعلق في الأول بالشخص الحادث خلافا لسائر الفرق، ولكنه لا يعتبر مأمورا إلا حالة الملابسة خلافا للمعتزلة، والحاصل قبل ذلك إعلام بأنه سيصير مأمورا لأن كلام الله تعالى قديم، والأمر متعلق لذاته، فلا يوجد غير متعلق، والأمر بالشيء حالة عدمه محال للجمع بين النقيضين، وحالة بقائه محال لتحصيل الحاصل، فيتعين نص الحدوث، والأمر بالأمر بالشيء لا يكون أمرا بذلك الشيء إلا أن ينص الأمر على ذلك كقوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ مروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر‏.‏

وليس من شرطه تحقق العقاب على الترك عند القاضي أبي بكر الإمام فخر الدين خلافا للغزالي لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ويعفو عن كثير‏)‏‏.‏

السادس‏:‏ في متعلقه بالواجب الموسع

وهو أن يكون زمان الفعل يسع أكثر منه، وقد لا يكون محدودا بل مغيا بالعمر، وقد يكون محدودا كأوقات الصلوات، وهذا يعزي للشافعية منعه بناء على تعلق الوجوب بأول الوقت، والواقع بعد ذلك قضاء يسد مسد الأداء، وللحنفية منعه بناء على تعلق الوجوب بآخر الوقت، والواقع قبله نافلة تسد مسد الواجب، وللكرخي منعه بناء على أن الواقع من الفعل موقوف، فإن كان الفاعل في آخر الوقت من المكلفين، فالواقع فرض، وإلا فهو نقل، ومذهبنا جوازه، والخطاب عندنا متعلق بالقدر المشترك بين أجزاء الزمان الكائنة بين الحدين، فلا حرج في أول الوقت لوجود المشترك، ولم يأثم بالتأخير لبقاء المشترك في آخره، وأثم إذا فوت جملة الوقت لتعطيل المشترك الذي هو متعلق الوجوب، فلا ترد علينا مخالفة قاعدة البتة بخلاف غيرنا، وكذلك الواجب المخير، قالت المعتزلة الوجوب متعلق بجملة الخصال، وعندنا وعند أهل السنة أنه متعلق بواحد لا بعينه، ويحكى عن المعتزلة أيضا أنه متعلق بواحد معين عند الله تعالى، وهو ما علم أن المكلف سيوقعه، وهم ينقلون أيضا هذا المذهب عنا، والمخير عندنا كالموسع، والوجوب فيه متعلق بمفهوم أحد الخصال الذي هو قدر مشترك بينها، وخصوصياتها متعلق التخيير، فما هو واجب لا تخيير فيه، وما هو مخير فيه لا وجوب فيه، فلا جرم يجزيه كل معين منها لتضمنه للقدر المشترك، وفاعل الأخص فاعل الأعم، ولا يأثم بترك بعضها إذا فعل البعض لأنه تارك للخصوص المباح فاعل للمشترك الواجب، ويأثم بترك الجميع لتعطيل المشترك بينها، وكذلك فرض الكفاية المقصود بالطلب لغة إنما هو إحدى الطوائف التي هي قدر مشترك بينها غير أن الخطاب يتعلق بالجميع أول الأمر لتعذر خطاب المجهول، فلا جرم سقط الوجوب بفعل طائفة معينة من الطوائف لوجود المشترك فيها، ولا تأثم طائفة معينة إذا غلب الظن فعل غيرها لتحقق الفعل من المشترك بينها ظنا، ويأثم الجميع إذا تواطئوا على الترك لتحقق تعطيل المشترك بينها‏.‏

إذا تقرر تعلق الخطاب في الأبواب الثلاثة بالقدر المشترك، فالفرق بينها أن المشترك في الموسع هو الواجب فيه، وفي الكفاية الواجب عليه، وفي الخير الواجب نفسه‏.‏

فائدة‏:‏

لا يشترط في فرض الكفاية تحقق الفعل بل ظنه، فإذا غلب على ظن هذه الطائفة أن تلك فعلت سقط عن هذه، وإذا غلب على ظن تلك الطائفة أن هذه فعلت سقط عنها، وإذا غلب على ظن الطائفتين فعل كل واحدة منهما سقط عنهما‏.‏

سؤال‏:‏ إذا تقرر الوجوب على جملة الطوائف في فرض الكفاية، فكيف يسقط عمن لم يفعل بفعل غيره مع أن الفعل البدني كصلاة الجنازة مثلا أن الجهاد لا يجزي فيه أحد عن أحد، وكيف يساوي الشرع بين من فعل، ومن لم يفعل‏.‏

جوابه‏:‏ أن الفاعل ساوى غير الفاعل في سقوط التكليف، واختلف السبب، فسبب سقوطها عن الفاعل فعله، وعن غير الفاعل تعذر تحصيل تلك المصلحة التي لأجلها وجب الفعل، فلا جرم انتفى الوجوب لتعذر حكمته‏.‏

قاعدة‏:‏

الفعل على قسمين منه ما تتكرر مصلحته بتكرره كالصلوات الخمس، فإن مصلحتها الخضوع لذي الجلال، وهو متكرر بتكرر الصلاة، ومنه ما لا تتكرر مصلحته بتكرره كإنقاذ الغريق، فإن الغريق إذا شيل من البحر، فالنازل بعد ذلك إلى البحر لا تحصل مصلحته، وكذلك إطعام الجوعان، وإكساء العريان وقتل الكفار، فالقسم الأول جعله الشرع على الأعيان تكثيرا لمصلحة، والقسم الثاني على الكفاية لعدم الفائدة في الأعيان‏.‏

فوائد ثلاث‏:‏

الأولى‏:‏ الكفاية، والأعيان كما يتصوران في الواجبات يتصوران في المندوبات كالأذان، والإقامة، والتسليم، والتشميت، وما يفعل بالأموات من المندوبات، فهذه على الكفاية، وعلى الأعيان كالوتر، والفجر، وصيام الأيام الفاضلة، وصلاة العيدين، والطواف في غير النسك، والصدقات‏.‏

الثانية‏:‏ نقل صاحب الطراز، وغيره على أن اللاحق من المجاهدين، ومن كان سقط الفرض عنه يقع فعله فرضا بعد ما لم يكن واجبا عليه، وطرده غيره من العلماء في سائر فروض الكفاية كمن يلتحق بمجهز الأموات من الأحياء، أو بالساعين في تحصيل العلم من العلماء، فإن ذلك الطالب للعلم يقع فعله واجبا معللا لذلك بأن مصلحة الوجوب لم تتحقق بعد، ولم تقع إلا بفعل الجميع، فوجب أن يكون فعل الجميع واجبا، ويختلف ثوابهم بحسب مساعيهم‏.‏

الثالثة‏:‏ الأشياء المأمور بها على الترتيب، أو على البدل قد يحرم الجمع بينها كالمباح، والميتة من المرتبات، وتزويج المرأة من أحد الكفأين من المشروع على سبيل البدل، وقد يباح كالوضوء، والتيمم من المرتبات، والسترة بالثوبين من باب البدل، وقد تستجب كخصال الكفارة في الظهار من المرتبات، وخصال كفارة الحنت مما شرع على البدل‏.‏

فرع‏:‏ اختار القاضي عبد الوهاب أن الأمر المعلق على الاسم يقتضي الاقتصار على أوله، والزائد على ذلك إما مندوب، أو ساقط‏.‏

السابع‏:‏ في وسيلته، وهي عندنا وعند جمهور العلماء ما لا يتم الواجب المطلق إلا به، وهو مقدور للمكلف، فهو واجب لتوقف الواجب عليه، فالقيد الأول احترازا من أسباب الوجوب، وشروطه لأنها لا تجب إجماعا مع التوقف، وإنما الخلاف فيما تتوقف عليه الصحة بعد الوجوب، والقيد الثاني احترازا من توقفه على فعل العبد بعد وجوبه على تعلق علم الله تعالى، وإرادته، وقدرته بإيجاده، ولا يجب على المكلف تحصيل ذلك إجماعا، وقالت الواقفية‏:‏ إن كانت الوسيلة سبب المأمور به وجبت، وإلا فلا، ثم الوسيلة إما أن يتوقف عليها المقصد في ذاته، أو لا يتوقف، والأول إما شرعي كالصلاة على الطهارة، أو عرفي كنصب السلم لصعود السطح، أو عقلي كترك الاستدبار لفعل الاستقبال، والثاني يجعله وسيلة إما بسبب الاشتباه كإيجاب خمس صلوات لتحصيل صلاة منسية، أو كاختلاط النجس بالطاهر، والمذكاة بالميتة، والمنكوحة بالأخت، أو لتيقن الاستيفاء كغسل جزء من الرأس مع الوجه، أو إمساك جزء من الليل مع نهار الصوم‏.‏

الثامن‏:‏ في خطاب الكفار‏.‏ أجمعت الأمة على أنهم مخاطبون بالإيمان، واختلفوا في خطابهم بالفروع قال الباجي، وظاهر مذهب مالك - رحمه الله - خطابهم بها خلافا لجمهور الحنفية، وأبي حامد الإسفراييني لقوله تعالى حكاية عنهم‏:‏ ‏(‏قالوا لم نك من المصلين‏)‏، ولأن العمومات تتناولهم، وقيل مخاطبون بالنواهي دون الأوامر، وفائدة الخلاف ترجع إلى مضاعفة العقاب في الدار الآخرة، أو إلى غير ذلك، وبسطه في غير هذه المقدمه‏.‏

الباب الخامس‏:‏ في النواهي، وفيه ثلاثة فصول

الفصل الأول في مسمى النهي

وهو عندنا التحريم، وفيه من الخلاف ما سبق في الأمر، واختلف العلماء في إفادته التكرار، وهو المشهور من مذاهب العلماء، وعلى القول بعدم إفادته، وهو مذهب الإمام فخر الدين لا يفيد الفور عنده، ومتعلقة فعل ضد المنهي عنه لأن العدم غير مقدور، وعند أبي هاشم عدم المنهي عنه‏.‏

الثاني في أقسامه

وإذا تعلق بأشياء، فإما على الجميع نحو الخمر، والخنزير، وإما على الجمع نحو الأختين، أو على البدل نحو إن فعلت ذا فلا تفعل ذلك كنكاح الأم بعد ابنتها، أو على البدل كجعل الصلاة بدلا من الصوم‏.‏

الثالث في لازمه

وهو عندنا يقتضي الفساد خلافا لأكثر الشافعية، والقاضي أبي بكر منا، وفرق أبو الحسين البصري، والإمام بين العبادات، فيقتضي، وبين المعاملات، فلا يقتضي لنا أن النهي إنما يكون لدرء المفاسد الكائنة في المنهي عنه، والمتضمن للمفسدة فاسد، ومعنى الفساد في العبادات وقوعها على نوع من الخلل يوجب بقاء الذمة مشغولة بها، وفي المعاملات عدم ترتب آثارها عليها إلا أن يتصل بها ما يقرر آثارها من التصرفات على تفضيل يأتي في البيع، وغيره إن شاء الله تعالى، وقال أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن‏:‏ لا يدل على الفساد مطلقا، ويدل على الصحة لاستحالة النهي عن المستحيل، ويقتضي الأمر بضد من أضداد المنهي عنه‏.‏

الباب السادس‏:‏ في العمومات

وفيه سبعة فصول

الفصل الأول‏:‏ أدوات العموم

وهي نحو عشرين صيغة قال الإمام‏:‏ وهي إما أن تكون موضوعة للعموم بذاتها نحول كل، أو بلفظ يضاف إليها كالنفي، ولام التعريف، والإضافة، وفيه نظر، فمنها‏:‏ كل، وجميع، ومن، وما، والمعرف باللام جمعا ومفردا، والذي، والتي، وتثنيتهما، وجمعهما، وأي، ومتى في الزمان، وأين، وحيث في المكان، قاله عبد الوهاب، واسم الجنس إذا أضيف، والنكرة في سياق النفي، فهذه عندنا للعموم، واختلف في الفعل في سياق النفي نحو قوله‏:‏ والله لا آكل، فعند الشافعي هو للعموم في المواكيل، وله تخصيصه بنيته في بعضها، وهذا هو الظاهر من مذهبنا، وقال أبو حنيفة لا يصح لأن الفعل يدل على المصدر، وهو لا واحد، ولا كثير، فلا تعميم، ولا تخصيص، واتفق الإمامان على قوله لا أكلت أكلا أنه عام يصح تخصيصه، وعلى عدم تخصيص الأول ببعض الأزمنة، أو البقاع لنا إن كان عاما صح التخصيص، وإلا فمطلق يصح تقييده ببعض حاله، وهو المطلوب، وقال الشافعي - رحمه الله - ترك الاستفصال في حكايات الأحوال يقوم مقام العموم في المقال نحو قوله - صلى الله عليه وسلم - لابن غيلان حين أسلم على عشر نسوة‏:‏ أمسك أربعا، وفارق سائرهن‏.‏ من غير كشف عن تقدم عقودهن، أو تأخرها، أو اتحادها، أو تعددها، وخطاب المشافهة لا يتناول من يحدث بعد إلا بدليل، وقول الصحابي نهىعن بيع الغرر، أو قضى بالشفعة، أو حكم بالشاهد، واليمين، قال الإمام فخر الدين - رحمه الله تعالى -‏:‏ لا عموم له لأن الحجة في المحكى لا في الحكاية، وكذلك قوله كان يفعل كذا، وقيل يفيده عرفا، وقال القاضي عبد الوهاب إن سائر ليست للعموم، فإن معناها باقي الشيء لا جملته، وقال صاحب الصحاح، وغيره من الأدباء‏:‏ إنها بمعنى جملة الشيء، وهي مأخوذة من سور المدينة المحيط لا من السؤر الذي هو البقية فعلى هذا تكون للعموم، والأول عليه الجمهور، والاستعمال، وقال الجبائي الجمع المنكر للعموم خلافا للجميع في حملهم له على أقل الجمع، والعطف على العام لا يقتضي العموم نحو قوله تعالى‏:‏ ‏(‏والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاث قروء‏)‏، ثم قال تعالى‏:‏ ‏(‏وبعولتهن أحق بردهن‏)‏، فهذا الضمير لا يلزم أن يكون عاما في جملة ما تقدم لأن العطف مقتضاه التشريك في الحكم الذي سبق الكلام لأجله فقط، وقال الغزالي‏:‏ المفهوم لا عموم له‏.‏ قال الإمام‏:‏ إن عنى أنه لا يسمى عاما لفظا، فقريب، وإن عنى أنه لا يفيد عموم انتفاء الحكم، فدليل كون المفهوم حجة بنفيه، وخالف القاضي أبو بكر في جميع هذه الصيغ، وقال بالوقف مع الواقفية، وقال أكثر الواقفية إن الصيغ مشتركة بين العموم، والخصوص، وقيل تحمل على أقل الجمع، وخالف أبو هاشم مع الواقفية في المجمع المعرف باللام، وخالف الإمام فخر الدين مع الواقفية في الفرد المعرف باللام‏.‏

لنا أن العموم هو المتبادر، فيكون مسمى اللفظ كسائر الألفاظ، ولصحة الاستثناء في كل فرد، وما صح استثناؤه وجب اندراجه‏.‏

تنبيه‏:‏ النكرة في سياق النفي يستثنى منها صورتان إحداهما لا رجل في الدار بالرفع، فإن المنقول عن العلماء أنها لا تعم، وهي تبطل على الحقيقة ما ادعوه من أن النكرة عمت لضرورة نفي المشترك، وعند غيرهم عمت لأنها موضوعة لغة لإثبات السلب لكل واحد من أفرادها، وثانيتهما سلب الحكم عن العمومات نحو ليس كل بيع حلالا، فإنه وإن كان نكرة في سياق النفي فإنه لا يعم لأن سلب للحكم عن العموم لا حكم بالسلب على العموم‏.‏

فائدة‏:‏ النكرة في سياق النفي تعم سواء دخل النفي عليها نحو لا رجل في الدار، أو دخل على ما هو متعلق بها نحو ما جاءني أحد‏.‏

الفصل الثاني‏:‏ في مدلوله

وهو كل واحد واحد لا الكل من حيث هو كل، فهو كلية لا كل، وإلا لتعذر الاستدلال به في حالة النفي، والنهي، ويندرج العبيد عندنا، وعند الشافعية في صيغة الناس، والدين آمنوا، ويندرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في العموم عندنا، وعند الشافعية، وقيل علو منصبه يأبى ذلك، وقال الصيرفي إن صدر الخطاب بالأمر بالتبليغ لم يتناوله، وإلا تناوله، وكذلك يندرج المخاطب في العموم الذي يتناوله لأن شمول اللفظ يقتضي جميع ذلك، والصحيح عندنا اندراج النساء في خطاب التذكير قاله القاضي عبد الوهاب، وقال الإمام فخر الدين‏:‏ إن اختص الجمع بالذكور لا يتناول الإناث، وبالعكس كشواكر، وشكر، وإن لم يختص كصيغة من تناولهما‏.‏ قال‏:‏ وقيل لا يتناولهما، وإن لم يكن مختصا، فإن كان متقيدا بعلامة الإناث لا يتناول الذكور كمسلمات، وإن تميز بعلامة الذكور كمسلمين لا يتناول الإناث، وقيل يتناولهن‏.‏

الفصل الثالث‏:‏ في مخصصاته

وهي خمسة عشر، ويجوز عند مالك - رحمه الله -، وعند أصحابه تخصيصه بالعقل خلافا لقوم كقوله تعالى‏:‏ ‏(‏الله خالق كل شيء‏)‏‏.‏ خصص العقل ذات الله وصفاته، وبالإجماع، والكتاب بالكتاب خلافا لبعض أهل الظاهر، وبالقياس الجلي، والخفي للكتاب، والسنة المتواترة، ووافقنا الشافعي، وأبو حنيفة، والأشعري، وأبو الحسين البصري، وخالفنا الجبائي، وأبو هاشم مطلقا، وقال عيسى بن أبان‏:‏ إن خص قبله بدليل مقطوع جاز، وإلا فلا، وقال الكرخي إن خص قبله بدليل منفصل جاز، وإلا فلا، وقال ابن سريج، وكثير من الشافعية يجوز بالجلي دون الخفي، واختلف في الجلي، والخفي، فقيل الجلي قياس المعنى، والخفي قياس الشبه، وقيل الجلي ما تفهم علته كقوله لا يقض القاضي، وهو غضبان، وقيل ما ينقض القضاء بخلافه، وقال الغزالي إن استويا توقفنا، وإلا طلبنا الترجيح، وتوقف القاضي أبو بكر، وإمام الحرمين، وهذا إذا كان أصل القياس متواترا، فإن كان خبر واحد كان الخلاف أقوى‏.‏ لنا‏:‏ اقتضاء النصوص تابع للحكم، والقياس مشتمل على الحكم، فيقدم، ويجوز عندنا تخصيص السنة المتواترة بالسنة المتواترة، وتخصيص الكتاب بالسنة المتواترة كانت قولا أو فعلا خلافا لبعض الشافعية، ويجوز عندنا، وعند الشافعي، وأبي حنيفة تخصيص الكتاب بخبر الواحد، وفصل ابن أبان، والكرخي كما تقدم، وقيل لا يجوز مطلقا، وتوقف القاضي فيه، وعندنا يخصص فعله، وإقراره الكتاب، والسنة، وفصل الإمام فخر الدين فقال‏:‏ إن تناوله العام كان الفعل مخصصا له، ولغيره إن علم بدليل أن حكمه كحكمه لكن المخصص فعله مع ذلك الدليل، وكذلك إذا كان العام متناولا لأمته فقط، وعلم بدليل أن حكمه حكم أمته، وكذلك الإقرار مخصص للشخص المسكوت عنه لما خالف العموم، ومخصص لغيره إن علم أن حكمه على الواحد حكم على الكل، وعندنا العوائد مخصصة للعموم‏.‏ قال الإمام‏:‏ إن علم وجودها في زمن الخطاب، وهو متجه، وعندنا يخصص الشرط والاستثناء العموم مطلقا، ونص الإمام على الغاية، والصفة، وقال إن تعقبت الصفة حملا جرى فيها الخلاف الجاري في الاستثناء، والغاية حتى، وإلى، فإن اجتمع غايتان كما لو قال‏:‏ لا تقربوهن حتى يطهرن حتى يغتسلن‏.‏ قال الإمام‏:‏ فالغاية هي في الحقيقة الثانية، والأولى سميت غاية لقربها منها، ونص على الحس قوله تعالى‏:‏ ‏(‏تدمر كل شيء‏)‏‏.‏ قال‏:‏ وفي المفهوم نظر، وإن قلنا إنه حجة لكونه أضعف من المنطوق‏.‏ لنا‏:‏ في سائر صور النزاع أن ما يدعى أنه مخصص لا بد وأن يكون منافيا، وأخص من المخصص، فإن أعملا، أو ألغيا اجتمع النقيضان، وإن أعمل مطلقا بطلت جملة الخاص بخلاف العكس فيتعين، وهو المطلوب‏.‏

الفصل الرابع‏:‏ فيما ليس من مخصصاته

وليس من المخصصات للعموم سببه بل يحمل عندنا على عمومه إذا كان مستقلا خلافا للشافعي، والمزني رضي الله عنهما، وإن كان السبب يندرج في العموم أولى من غيره، وعلى ذلك أكثر أصحابنا، وعن مالك فيه روايتان، والضمير الخاص لا يخصص عموم ظاهره كقوله تعالى‏:‏ ‏(‏والمطلقات يتربصن بأنفسهن‏)‏، وهذا عام، ثم قال‏:‏ وبعولتهن أحق بردهن، وهذا خاص بالرجعيات‏.‏ نقله الباجي منا خلافا للشافعي، والمزني، ومذهب الراوي لا يخصص عند مالك، والشافعي رحمهما الله خلافا لبعض أصحابنا، وبعض الشافعية، وذكر بعض العموم لا يخصصه خلافا لأبي ثور، وكونه مخاطبا لا يخصص العام إن كان خبرا، وإن كان أمرا جعل جزاء‏.‏ قال الإمام يشبه أن يكون مخصصا، وذكر العام في معرض المدح، أو الذم لا يخصص خلافا لبعض الفقهاء، وعطف الخاص على العام يقتضى تخصيصه خلافا للحنفية كقوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده‏.‏ فإن الثاني خاص بالحربي، فيكون الأول كذلك عندهم، ولا يخصص العام بتعقيبه باستثناء، أو صفة، أو حكم لا يأتي إلا في البعض لا يخصصه عند القاضي عبد الجبار، وقيل يخصصه، وقيل بالوقف، واختاره الإمام فخر الدين، فالاستثناء كقوله تعالى‏:‏ ‏(‏لا جناح عليكم إن طلقتم النساء‏)‏‏.‏ إلى قوله تعالى‏:‏ ‏(‏إلا أن يعفون‏)‏‏.‏ فإنه خاص بالرشيدات، والصفة كقوله تعالى‏:‏ ‏(‏يا أيها النبي إذا طلقتم النساء‏)‏‏.‏ إلى قوله تعالى‏:‏ ‏(‏لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا‏)‏‏.‏ أي الرغبة في الرجعة، والحكم كقوله تعالى‏:‏ ‏(‏والمطلقات يتربصن بأنفسهن‏)‏‏.‏إلى قوله‏:‏ ‏(‏وبعولتهن أحق بردهن‏)‏‏.‏ فإنه خاص بالرجعيات، فتبقى العمومات على عمومها، وتختص هذه الأمور بمن تصلح له، ولنا في سياقها صور النزاع أن الأصل بقاء العموم على عمومه، فمهما أمكن ذلك لا يعدل عنه تغليبا للأصل‏.‏

الفصل الخامس‏:‏ فيما يجوز التخصيص إليه

ويجوز عندنا للواحد، هذا إطلاق القاضي عبد الوهاب من الأصحاب، وأما الإمام فحكي إجماع أهل السنة على ذلك في من، وما، ونحوهما قال‏:‏ وقال القفال يجب أيضا أقل الجمع في الجموع المعرفة، وقيل يجوز إلى الواحد فيها، وقال أبو الحسين لا بد من الكثرة في الكل إلا إذا استعمل للواحد المعظم نفسه‏.‏

الفصل السادس‏:‏ في حكمه بعد التخصيص

ولنا، وللشافعية، وللحنفية في كونه بعد التخصيص حقيقة، أو مجازا قولان، واختار الإمام فخر الدين، وأبو الحسين التفصيل بين تخصيصه بقرينة مستقلة عقلية، أو سمعية، فيكون مجازا، أو تخصيصه بالمتصل كالشرط، والاستثناء، والصفة، فيكون حقيقة، وهو حجة عند الجمع إلا عيسى ابن أبان، وأبا ثور، وخصص الكرخي التمسك به إذا خصص بالمتصل، وقال الإمام‏:‏ إن خصص تخصيصا إجماليا نحو قوله هذا العام مخصوص، فليس بحجة، وما أظنه يخالف في هذا التفصيل لنا‏:‏ أنه وضع للاستغراق، ولم يستعمل فيه، فيكون مجازا، ومقتضيا ثبوت الحكم لكل أفراده، وليس البعض شرطا في البعض، وإلا لزم الدور، فيبقى حجة في الباقي بعد التخصيص، والقياس على الصورة المخصوصة إذا علمت جائز عند القاضي إسماعيل منا، وعند جماعة من الفقهاء‏.‏